cccc

cccc

تحدث طبيبي النفسي عن ذلك الإنسان الذي يعود من المجاعة ناسيا كيف يأكل. على الموائد المعدة للمصالحة يقيء لاإراديا. أعتقد أنني أقيء أيضا بأشكال مختلفة Subversiveness is neither cool nor adolescent

الثلاثاء، أبريل ١٩، ٢٠١١

 

بورنو

"مفيش حاجة بتحصل في البلد دي" قالها سام وهو يرفع زجاجة البيرة إلى فمه ويأخذ رشفة طويلة.

هذه هي اللحظة التي كنت أنتظرها. تتكرر كل يوم. قلت: "سكووووت!" ابتسمت بخباثة، نظرت إلى سام ثم إلى مو ثم قلت: "أنا هامثل في فيلم بورنو"

"أفندم؟"

"أيوة، إنهاردة قابلت الزعيم وطلب مني أجيلوا الإستوديو بكرة!"

الزعيم هو لقب شاب من شبان الحارة، يقولون عنه أنه على صلة قوية بالمافيا اللبنانية والمافيا الروسية. رغم أن شكله لا يوحي بذلك إطلاقا. تجده دائما جالسا على القهوة على ناصية الشارع الرئيسي، وحوله سرب من أصحاب المصالح والعواطلجية أمثالي. يتوددون إليه، يأمرهم بمهمات صغيرة كشراء علبة سجائر أو جريدة من الكشك على الجهة المقابلة للشارع. يأملون طبعا أن يتوسط لهم عند معارفه ليحصلون على وظفيفة ك...، لا أعرف، كسعاة لتجار الحشيش يحومون حول المحطة الرئيسية ويصطادون الزبائن، أو كحراس أبواب للملاهي الليلية في الحي المجاور.

خجلي وثقتي المهتزة بنفسي لم يسمحا لي بالذهاب إلى الزعيم ومحاولة اقتناص نصيبي من الكعكة. كنت أقول لنفسي: "أنت أقبح شبان الحارة. كل أصدقائك يأكدون ذلك. سيبصق الزعيم عليك ويلعن آباءك إن حاولت الاقتراب منه." لذا كل ما كنت أفعله هو أن أجلس على مقربة منه على القهوة أتابع ما يجري بعيون جائعة، وعندما يتنبه إلي وأحس أنه يرمقني بنظرة متعالية أغض البصر وأقلب في كوب الشاي الموضوع أمامي بانفعال.

إلى أن جاء ذلك اليوم، يبدو أن مزاجه كان صافيا على غير العادة، إذ وجدته ينادي عاي: "إنت يا وله، أيوة إنت يا قرد، مالك قاعد هناك كده ليه زي الأهبل؟" قلت: "سوري، موش قصدي، أصل أنا خالي شغل." عندما سمعني أتكلم، عقد الزعيم حاجبيه ونظر إلي نظرة فاحصة. ابتسمت بداخلي. لقد اعتدت هذه النوعية من ردود الأفعال. صوتي هو أفضل ما في، صوت ذكوري رخيم، وكثيرا ما ينصعق الناس وتنفجر ملامح وجوههم دهشة عندما يسمعوه. لا لأنه يتعارض تماما مع جسدي الهزيل ووجهي الذي يشبه وجه الضفضعة، بل أعتقد لأن لا أحد ينتبه إلى وجودي أصلا قبل أن أفتح فمي لأتكلم.

ثم حكيت لسام كيف عرض علي الزعيم أن أشارك في أحد أفلام البورنو التي يقوم بإنتاجها. قال حينها: "إوعى تكون بتتكسف يا واد" ضحكت خجلا وانفعالا عندما تذكرت هذه الجملة، وضحك سام معي. "تخيل يا سام، أنا إللي عمري ما نكت في حياتي هانيك واحدة من بتوع الأفلام دول. واو." اكفهر وجه سام فجأة وقال: "لو منك لا أعيش في الوهم يا مان. هي بس هاتشوف وشك وهاتتف عليك." تدخل مو بانفعال: "يخرب بيتك إنت موش هتبطل تهبط من معنويات الواد كدة، أصدقاء آخر زمن! وبعدين أنا سمعت إن إحصائيا أغلبية النسوان بيختاروا الراجل على أساس صوته موش على أساس شكله!" مع ذلك أطرقت برأسي وغمغمت: "لأ. سام معاه حق. بلاش أحلم جامد لحسن آخد على دماغي."

في هذه اللحظة رن تليفوني المحمول. سمعت صوت نسائي غنج يقول "هاللو. أنا نادين إللي هاعمل معاك الفيلم بكرة. حبيت بس أسمع صوتك..." يبدو أن ما يقال صحيح مائة بالمائة من أن الإنسان في لحظات الخطر يتدفق الأدرينالين في عروقه ويتحول إلى وحش كاسر. على غير عادتي وجدت نفسي أقول: "ممم صوتك مهيج جدا يا جميل. قمال شكلك هيبقى عامل إزاي. مش قادر أستنى لحد بكرة." سمعتها تبعد التليفون عن فمها وتوشوش شخصا ما يقف إلى جانبها، كلام لم أفهم منه إلا أنها كانت تمدح في صوتي وكم هو قوي وجميل.

في اليوم التالي ذهبت إلى الاستوديو في الميعاد المتفق عليه. صعدت بالأسانسير إلى الطابق العاشر في بناية رمادية لا تبوح على الإطلاق عما يجري بداخلها. وجدتها في غرفة الانتظار تدخن سيجارة. عقدت حاجبيها ونظرت إلي، ثم نظرت إلى الحائط. وضعت ساق عارية فوق الأخرى وحاولت أنا أن أختلس نظرة إلى ما بين ساقيها تحت التنورة القصيرة. تنحنحت وقلت: "مساء الخير." نظرت إلى مندهشة وقالت: "موش معقولة، تخيلت شكلك مختلف تماما." لم اعرف ماذا أقول، لذا قلت: "وأنا كمان اتخيلتك مختلفة تماما." صمتنا. أشعلت سيجارة أخرى.

للحق لم تكن جميلة إلى هذه الدرجة. مر أكثر من عشرين دقيقة قبل أن يدخل الزعيم ويقودنا إلى غرفة أخرى لنبدأ شغلنا – وفي هذه الدقائق العشرين كنت أختلس النظرات إليها، أتحسس جسدها من بوز جزمتها إلى مفرق شعرها. صرت أقل انفعالا مع كل دقيقة مرت وأكثر قدرة على رؤية الأمور على حقيقتها. قدرت سنها بحوالي أربعين عاما، إحدى هؤلاء النساء العاديات في منتصف العمراللات أرى منهن المئات يوميا في الشارع وفي المواصلات العامة وخلف الخزنة في السوبر ماركت وعند الخباز وفي صالونات الحلاقة والصيدليات وأكشاك السجائر. على وجهها علامات القهر وفي عينيها نظرة حزن غير قابلة للتفاوض. كان يمكن أن تكون أما لأحد أصدقائي.

جاء الزعيم وساقنا عبر ممر صغير، كان يضحك ضحكته المتقطعة المتحشرجة المألوفة، فتح لنا الباب وقال بنبرة ساخرة "خشوا برجليكوا اليمين" ثم "أهلا بيكوا في المعمل بتاعي". لن أبالغ إن قلت أنني قضيت تسعة وتسعين بالمائة من الأربعة وعشرين ساعة الماضية محاولا تخيل هذه اللحظة وما سيتبعها من لحظات. وبالتأكيد جزء كبير من الوقت كان مخصصا للغرفة التي ستكون هي مسرح الحدث. هل سيكون السرير سرير ماء مستدير مفروش بملائة حمراء كما نراه في الأفلام؟ أم أن الديكور سيكون أكثر واقعية؟ لست خبيرا بالسينما أو بالفنون بشكل عام لكن أتذكر أنني سمعت أحدهم يقول أن هناك اتجاه عام لتصوير الأشياء بواقعية أكثر، والبعد عن الخيال المفرط فيه.

لكن ما كان ينتظرني في "المعمل"، كان بالتأكيد أغرب من الخيال. كانت الغرفة صغيرة جدا وخالية تماما من الأثاث، عدى طاولة خشبية في أحد أركانها وفوقها شاشة تليفزيوية وجهاز فيديو، وعلى حافة الطاولة ميكروفونان وأمام كل واحد منهما كرسي خشبي بسيط. سمعت الزعيم يضحك من خلفي ضحكة مجلجلة. التفت إليه فوجدته يرمقني بنظرة مستهزئة وقال: "تكنش فاكر إنك كنت هاتنيك بجد. هاها. إحنا ناس محترمة يا أستاذ. الأمريكان يصوروا ويفجروا زي ما هم عايزين. إحنا ما عندناش الكلام ده. إحنا نعمل الدوبلاج بلغتنا بس. يالله شوفوا شغلكوا."

قبل أن يخرج ويرزع الباب وراءه، دس الزعيم في يد كل واحد منا ورقة عليها الجزء الخاص به من الحوار. ثم ضغط على الأزرار الخاصة بتشغيل التليفزيون والفيديو. الفيلم كان يحكي قصة شاب يذهب إلى بيت صديقه فيجد نفسه وحيدا مع أم ذلك الشاب. وبعد تلميحات وإيمائات ولمسات غير مقصودة يمارسان الجنس سويا.

تعلثمت كثيرا أثناء قراءة النص، خاصة عندما وصلنا إلى المشهد الجنسي. كنت بالكاد تمكنت من هضم المفاجأة الأولى لأجد هذه المفاجأة في انتظاري – ميكروفون وطاولة خشبية بدلا من السرير الأحمر المائي! ومن كان يتخيل أنني سأفقد عذريتي وأبدأ مشواري كعنتر زمانه على هذه الطريقة السيريالية؟ ضحكت في نفسي وهززت رأسي وأنا أصدر بعض التآوهات الحذرة تماشيا مع ما يحدث أمامي على الشاشة. نعم، هذه هي حياتي، صوت فقط، بلا صورة. ثم نظرت إلى نادين فوجدتها قد أغلقت عينيها وانهمكت تماما في ارتجال التآوهات مع بعض الكلمات القبيحة المتناثرة هنا وهناك. يا ترى ماذا يدور في ذهنها الآن، وإلي أي فراش ستسافر بخيالها؟


Comments: إرسال تعليق

<< Home

Archives

أغسطس 2005   سبتمبر 2005   يونيو 2006   أغسطس 2008   أكتوبر 2009   فبراير 2011   أبريل 2011   يوليو 2011  

This page is powered by Blogger. Isn't yours?